اقوي علاج للحصوات فعال ضربة بضربة

خبير الاعشاب والتغذية العلاجية عطار صويلح

السبت، 3 مارس 2018

الايدز مرض مزمن


الايدز مرض مزمن 


الإيدز هو مرض مزمن يشكل خطرا على الحياة، وهو ناجم عن فيروس يسبب فشلاً/ قصوراً في الجهاز المناعيّ لدى البشر (فيروس نقص المناعة البشري / أو: فيروس العَوَز المناعي البشريّ - HIV - Human Immunodeficiency Virus). أو، باختصار: فيروس الإيدز.

كيف يعمل فيروس الإيدز؟
يسلب فيروس الايدز الجسم قدرته على محاربة ومقاومة الفيروسات، الجراثيم والفطريات من خلال إصابته للجهاز المناعي، فيجعل الجسم عرضة للإصابة بأمراض مختلفة.

يعرّض الايدز (فيروس HIV) جسم الإنسان للإصابة بأنواع معينة من السرطان والالتهابات، التي كان بإمكانه (الجسم)، بشكل عام، محاربتها والتغلب عليها، مثل الإلتهاب الرئوي وإلتهاب السحايا. ويُطلق على الفيروس والإلتهاب الذي يسببه اسم الايدز (فيروس HIV).

يشكل مصطلح "نقص المناعة المكتسب" (أو: مُتلازمة العَوَز المناعيّ المُكتَسَب - Acquired immunodeficiency syndrome) (بإختصار: AIDS – مرض الايدز)، تعريفا لمرض الايدز في مراحله الأكثر تقدما.

نحو 39,5 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم مصابون اليوم بفيروس الايدز. بالرغم من كبح الايدز في عدة دول من العالم، إلا أن مدى انتشار الايدز ما زال على حاله، بل إزداد في دول أخرى.

ويكمن الحل لمنع إستمرار إنتشار الايدز في: الوقاية، العلاج والتوعية.


اعراض الايدز
تختلف اعراض الايدز من حالة إلى أخرى، وطبقا للمرحلة العينية من مرض الايدز.

 المراحل المبكرة من التلوث:
 في المراحل الأولى من التعرض لفيروس الايدز، قد لا تظهر أية أعراض أو علامات لمرض الايدز، بالرغم من أن الشائع جدا في مرض الايدز هو ظهور أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا، سرعان ما تختفي بعد أسبوعين حتى أربعة أسابيع منذ لحظة التعرض لفيروس الايدز.

وقد تشمل اعراض الايدز :

إرتفاع درجة حرارة الجسم (حمّى)
الصداع، آلام في الحنجرة
إنتفاخ في منطقة الغدد اللمفيّة
الطفح الجلدي.   
إذا كان شخص ما قد تعرض لفيروس الايدز، فمن المحتمل أن ينقل فيروس الايدز إلى أشخاص آخرين (أن يصيبهم بالعدوى بفيروس الايدز)، حتى وإن لم يظهر عليه أي من اعراض الايدز.

فما أن يدخل فيروس الايدز إلى الجسم حتى يصبح الجهاز المناعي عرضة للهجوم. يقوم فيروس الايدز بالتكاثر ومضاعفة نفسه في داخل الغدد اللمفية، ومن ثم يبدأ بعملية تدمير بطيئة للخلايا اللمفاوية من نوع (Lymphocytes T CD4)- وهي خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن تنسيق جميع عمليات وأنشطة الجهاز المناعي. 

المراحل المتقدمة من التلوث:
قد لا يعاني المصاب من أية أعراض في المراحل المتقدمة من الايدز خلال فترة تتراوح بين سنة واحدة وتسع سنوات، بل وربما أكثر من ذلك في بعض الأحيان.

ولكن فيروس الايدز يواصل، في هذه الأثناء، التكاثر ومضاعفة نفسه وكذلك تدمير خلايا الجهاز المناعي، بشكل منهجي.

في هذه المرحلة قد تظهر لدى المصاب بعض اعراض الايدز المزمنة، مثل:

إنتفاخ في الغدد اللمفية (وغالبا ما يشكل هذا أحد الأعراض المبكرة للإصابة بعدوى فيروس الايدز)
إسهال
فـَقـْد وزن
ارتفاع درجة حرارة الجسم (حمّى)
سعال
ضيق نَفـَس.
المراحل الأخيرة من التلوث:
في المراحل الأخيرة من اعراض الايدز والإصابة بفيروس الايدز، والتي تكون بعد 10 سنوات وأكثر من التعرض لفيروس الايدز في المرة الأولى، تبدأ بالظهور أعراض الايدز الأكثر خطورة وعندئذ يصبح التلوث في حالة تمكـّن من تسميته بمرض الايدز.

في العام 1993، وضعت "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية" (CDC) تعريفاً جديداً لمرض الايدز، هو التالي: يعتبر الايدز مرضا إذا وُجد فيروس الإيدز في الجسم (وهذا يمكن التأكد منه إذا بينت نتائج فحوص وجودَ أضداد (Antibodies) لفيروس الإيدز في الدم) مصحوباً بواحد من أعراض الايدز التاليين:

ظهور أخماج / تلوثات / عدوى إنتهازية (Opportunistic infection): تحدث عندما يكون الجهاز المناعي ضعيفا أو مصابا، مثلما في حالة الالْتِهابٌ الرِئَوِيٌّ بالمُتَكَيِّسَةِ الجُؤْجُؤِيَّة (Pneumocystis carinii pneumonia – PCP)
تعداد الخلايا اللمفيّة (اللمفاويات - Lymphocytes): من نوع CD4 في الدم يبلغ 200 أو أقل – علما بأن القيمة السليمة يجب أن تتراوح بين 800 و 1200.
كلما تطور مرض الإيدز وتفاقم، يشتد الضرر اللاحق بالجهاز المناعي فيضعف أكثر فأكثر، الأمر الذي يجعل الجسم فريسة سهلة للتلوثات الإنتهازية.

أعراض الايدز وبعض هذه التلوثات تشمل:

التعرق الليلي المفرط
قشعريرة برد أو حمّى فوق الـ 38 درجة مئوية تستمر لعدة أسابيع
السعال الجاف وضيق النفس
الإسهال المزمن
نقاط بيضاء دائمة أو جروح غريبة على اللسان وفي جوف الفم
الصداع
التشوش أو اضطراب الرؤية
فـَقـْد الوزن
وفي مرحلة أكثر تقدما من الايدز يمكن أن تظهر أعراض إضافية، مثل:

التعب الدائم الذي لا يمكن تفسيره
التعرق ليلي مفرط
قشعريرة برد أو حمّى فوق الـ 38 درجة مئوية تستمر لعدة أسابيع
إنتفاخات في الغدد اللمفيّة تستمر لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر
الإسهال المزمن
الصداع الدائم.
كما تزيد الإصابة بعدوى فيروس الإيدز من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، وخصوصا غرن كابوزي (ساركومة كابوزي - Kaposi's Sarcoma)، سرطان الحنجرة وسرطان الغدد اللمفيّة (لِمفومَة - Lymphoma)، رغم إنه بالإمكان الحدّ من خطر الإصابة بهذه الأمراض بواسطة علاجات وقائية.

أعراض الإيدز لدى الأطفال:
مشاكل في إرتفاع الوزن
مشاكل في النمو
مشاكل في السير
تباطؤ النمو العقلي
مَراضَة (Morbidity) خطيرة بأمراض أطفال شائعة، مثل: إلتهابات الأذنين، إلتهاب الرئتين وإلتهاب اللوزتين (Tonsillitis).
أسباب وعوامل خطر الإيدز
فيروس الايدز
عادة، تهاجم خلايا الدم البيضاء والأضداد الكائنات الحية (Organisms) الغريبة التي تغزو الجسم وتقوم بتدميرها.

يتم تنظيم وتنسيق ردة الفعل هذه بواسطة خلايا دم بيضاء تسمى لمفاويات (أو: خلايا لمفاوية / لمفيّة - Lymphocytes) من نوع CD4. وتشكل هذه اللمفاويات، أيضا، الهدف المركزي لفيروس الإيدز، الذي يهاجم هذه الخلايا ويتغلغل إلى داخلها.

بعد نجاح فيروس الإيدز باختراق هذه الخلايا، يقوم بإدخال مادته الجينية إليها، وبهذه الطريقة يقوم باستنساخ (مضاعفة) نفسه. ثم تبدأ فيروسات الايدز الجديدة، المستَنْسَخة، بالخروج من الخلية اللمفية المضيفة والدخول في مجرى الدم، حيث تبدأ هناك بالبحث عن خلايا جديدة لمهاجمتها.

في تلك الأثناء تموت الخلية اللمفية المضيفة وخلايا CD4 السليمة المجاورة بسبب تأثيرات فيروس الايدز المهاجِم. وتشكل هذه الظاهرة ظاهرة دورية تعيد نفسها، مرارا وتكرارا.

هكذا يتم، في هذه العملية، إنتاج ملايين الخلايا الجديدة من فيروس الإيدز يوميا. وفي نهاية هذه العملية، يقل عدد خلايا CD4، حتى الوصول إلى نقص مناعة خطير، الأمر الذي يعني عدم قدرة الجسم على مقاومة الفيروسات والجراثيم المسببة للأمراض والتي تهاجمه.

كيفية الإصابة بعدوى فيروس الإيدز: اسباب الايدز
قد تحصل الإصابة بعدوى فيروس الإيدز (HIV) بعدة طرق، بينها:

1- الاتصال الجنسي: وهي اهم اسباب الايدز ويمكن الإصابة بالعدوى بفيروس الايدز عن طريق إتصال جنسي مهبلي، فموي أو شرجي، مع شريك (شريكة) حامل لفيروس الايدز، لدى دخول أحد هذه الامور إلى الجسم: الدم، المَني أو الإفرازات المهبلية (من الشريك أو الشريكة).

ومن اسباب الايدز والإصابة بالعدوى بفيروس الايدز، أيضا، في حال الاستعمال المشترك لأدوات (ألعاب) جنسية لم يتم غسلها وتنظيفها أو لم يتم تغليفها بعَازِلٌ ذَكَرَيّ (Condom) نظيف بين الإستعمال والآخر.

يعيش فيروس الايدز في المني أو في الإفرازات المهبلية التي تدخل إلى الجسم، عند الممارسة الجنسية، من خلال جروح أو تمزقات صغيرة موجودة أحيانا في المهبل أو في المستقيم (Rectum – الجزء من الأمعاء الغليظة بين القولون الحَوضي وقناة الشرج).

إذا كان شخص ما حاملا لمرض جنسي معدٍ آخر، فإنه يكون أكثر عُرضة للإصابة بفيروس الإيدز. وخلافا لما كان يعتقده الباحثون في الماضي، فحتى النساء اللواتي يستعملن مبيد المَني (Spermicide) من نوع نونوكسينول 9 (Nonoxynol 9) معرضات، هن أيضا، للإصابة بفيروس الايدز. ذلك إن مبيد المَني هذا ينبه الغشاء المخاطي الداخلي للمهبل، الأمر الذي قد يحدث شقوقا وتمزقات يمكن لفيروس الايدز أن ينفذ من خلالها إلى داخل الجسم.

2- العدوى بفيروس الايدز من دم ملوث: في بعض الحالات، من الممكن أن ينتقل فيروس الايدز بواسطة الدم أو مشتقات الدم، التي تُعطى لإنسان عن طريق الحقن بالوريد وهو احد اسباب الايدز المنتشرة (نَقل الدم الوريديّ - Intravenous transfusion). منذ العام 1985، تقوم المستشفيات وبنوك الدم في الولايات المتحدة بفحص الدم المتبرَّع بغية الكشف عن أية أضداد لفيروس الإيدز يمكن أن تكون فيه. وقد قلصت هذه الفحوصات، بشكل كبير، أخطار التعرض لفيروس الايدز من جراء النقل الوريدي، بالإضافة إلى تحسين فرز المتبرعين وتصفيتهم.

3- إبر الحقن: ينتقل فيروس الإيدز بسهولة بواسطة الإبر أو الحقن الملوثة التي لامست دما ملوثا.

إن إستعمال أدوات مشتركة للحَقن الوريدي يزيد من خطر التعرض لفيروس الإيدز وأمراض فيروسية أخرى، مثل إلتهاب الكبد.

يزداد خطر الإصابة بالعدوى بفيروس الايدز مع إزدياد اسباب الايدز مثل، إستعمال المخدرات عن طريق الحقن الوريدي أو ممارسة علاقة جنسية بدون وقاية.

إن الطريقة الأفضل للوقاية من الإصابة بالعدوى بفيروس الايدز هي الإمتناع عن إستعمال مخدرات تـُحقن بالوريد. أما إذا لم تكن هذه الإمكانية متوفرة، فمن الممكن تقليص خطر الإصابة بواسطة إستعمال أدوات حَقن تُستعمل لمرة واحدة ومعقمة.

وخزة إبرة عرضية: إن إحتمال إنتقال فيروس الايدز بين حاملي فيروس الإيدز وبين طاقم الخدمات الطبي، بواسطة وخزة إبرة عَرَضية هو إحتمال ضئيل جدا. ويميل المختصون إلى تقدير الإحتمال بنسبة تقل عن (1%).
إنتقال فيروس الايدز من أمّ إلى طفلها: تدل الإحصائيات على إن نحو 600،000 طفل صغير يصابون بعدوى فيروس الإيدز، سنويا، سواء في فترة الحمل أو من جراء الرضاعة. لكن خطر إصابة الجنين بالعدوى بفيروس الايدز عند تعاطي الأم علاجا لفيروس الإيدز خلال فترة الحمل يقل بدرجة كبيرة جدا.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تخضع غالبية النساء إلى فحوصات مبكرة لإكتشاف أضداد فيروس الإيدز، كما تتوفر لهنّ أدوية لمعالجة الفيروسات القهقـَرِية (Retroviruses).

لكن الوضع في الدول النامية مختلف، حيث تفتقر غالبية النساء إلى الوعي بحالاتهن الصحية ولاحتمال إصابتهن بفيروس الإيدز، وحيث فرص وإمكانيات علاج الايدز محدودة جدا، في الغالب، أو أنها غير متوفرة، إطلاقا. وحين لا تتوفر الأدوية، فمن المفضل الولادة بعملية قيصرية بدلا من الولادة المهبلية العادية.

أما الإمكانيات والبدائل الأخرى، كالتعقيم المهبلي مثلا، فلم تثبت نجاعتها.

طرق أخرى لانتقال عدوى فيروس الايدز: ثمة حالات نادرة يمكن أن ينتقل فيها فيروس الايدز لدى زرع أعضاء أو أنسجة، أو عن طريق أدوات عمل طبيب الأسنان، إذا لم يتم تعقيمها كما ينبغي.
عمليات لا يمكن نقل فيروس الإيدز من خلالها:
 لكي تحصل الإصابة بعدوى فيروس الإيدز يجب أن يدخل إلى الجسم أحد هذه: دم ملوث (مُصاب)، سائل مني ملوث أو إفرازات مهبلية ملوثة.

ومن هنا، فإن الإصابة بالعدوى بفيروس الايدز لا تحصل من خلال اتصال يومي عادي مع شخص مصاب بفيروس الإيدز، مثل: العناق، القبلة، الرقص أو مصافحة اليد.

أي إنسان، في أي سن، من أي جنس أو ميول جنسية يمكن أن يصاب بعدوى فيروس الإيدز، لكن خطر الإصابة بفيروس الايدز يرتفع عند:

ممارسة علاقة جنسية بدون وقاية مع العديد من الأشخاص. ولا تختلف درجة الخطر سواء كان الشخص يمارس الجنس مع الجنس الآخر (Hetrosexual)، المماثل (Homosexual) أو الجنسين معا (Bisexual). والعلاقة الجنسية بدون وقاية تعني إقامة اتصال جنسي بدون عازل ذكريّ (Condom)
ممارسة علاقة جنسية مع شريك/ة يحمل فيروس الإيدز
شخص مصاب بمرض جنسي معدٍ آخر، مثل: الزّهري (Syphilis)، الهربِس (Herpes)، المُتَدَثـِّرَة (Chlamydia)، داء السَّيَلان (Gonorrhea) أو إلتهاب المهبل الفيروسي
استعمال متكرر، عدة مرات، لحُقـَن وإبَر مشتركة عند تعاطي المخدرات بالحَقن الوريدي
عدم وجود كمية كافية من مُورِّثة (جين) CCL3L1 المساعدة على محاربة فيروس الإيدز
الأطفال المولودون حديثا والأطفال الرضّع لأمهات يحملن فيروس الإيدز، لكن لم يتلقين علاجا وقائياً.
مضاعفات الإيدز
مضاعفات الايدز
إليك أهم المضاعفات التي من الممكن أن تنتج بسبب الإصابة بالإيدز:

1- الخمج (العدوى / التلوث - Infection)
الناجم عن فيروس الإيدز يُضعف الجهاز المناعي، مما يجعل الشخص حامل فيروس الايدز عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض التلوثية (المعدية) الناجمة عن جراثيم، فيروسات، فطريات أو طفيليات.

كما يصبح الجسم عرضة للإصابة بأنواع معينة من السرطان. غير أن علاج الايدز بأدوية مضادة للفيروسات القهقرية قد قلل بصورة ملحوظة من عدد التلوثات الإنتهازية ومن أنواع السرطان المختلفة التي تهاجم المرضى المصابين بفيروس الإيدز.

ويمكن الافتراض، اليوم، بأن هذه التلوثات سوف تظهر لدى الأشخاص الذين لم يتلقوا أي علاج.

1- أخماج / تلوثات جرثوميّة (Bacterial infections):
هناك العديد من الجراثيم التي قد تؤدي إلى الإصابة بإلتهاب رئة جرثوميّ، يمكن أن ينشأ تلقائيا جراء تلوث في الرئة نفسها أو نتيجة لالتهاب في المسالك الهوائية التنفسية العلوية، بسبب البرد أو الإنفلونزا.

2- معقـّد المتفطرة الطيرية (Mycobacterium avium complex – MAC):
هو تلوث ينجم عن مجموعة الجُرَيثمات (Microbacteria) تُسمى، بإختصار، MAC .

هذه الجريثمات تسبب، عادة، تلوثا في الجهاز التنفسي. ولكن، إذا كان تلوث الـ HIV قد بلغ مراحله المتقدمة وانخفض تعداد اللمفاويات من نوع CD4 إلى ما دون الـ 50، فمن المرجح أن ينشأ تلوث متعدد النظم، قادر على إصابة أي عضو، تقريبا، من أعضاء الجسم الداخلية، بما في ذلك نِقي العظم (نخاع العظام - Bone marrow)، الكبد أو الطحال.

ويسبب تلوث MAC مجموعة من الأعراض، مثل: إرتفاع درجة حرارة الجسم (الحمّى)، التعرق الليلي، فـَقد الوزن، آلام البطن والإسهال.

3- السلّ (Tuberculosis - TB):
يشكل مرض السلّ في الدول النامية التلوث الإنتهازي الأكثر إنتشارا ارتباطا بتلوث فيروس الإيدز.

ويعتبر السل المسبب الأول للوفاة بين مرضى الإيدز. الملايين من الأشخاص حول العالم مصابون بمرضيّ الإيدز والسل معا، وينظر العديد من الخبراء إلى التلوثين باعتبارهما وباءين توأمين. وذلك نظرا لوجود علاقة تكافلية قاتلة بين الإيدز وبين السل، إذ يحفز كل منهما ظهور الآخر.

الإنسان المريض بالإيدز أكثر عرضة للإصابة بمرض السل، كما يزداد خطر انتقال فيروس الإيدز لديه من فيروس خامد إلى فيروس فعال.

بالإضافة إلى ذلك، يزيد مرض السل من وتيرة ومعدل تكاثر فيروس الإيدز. ناهيك عن أن مرض السل قد يهاجم الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز قبل سنوات عديدة من ظهور أية أعراض من شأنها أن تدل على الإصابة بفيروس الايدز. ويشكل الظهور المفاجئ للسل – خارج الرئتين في الغالب - أحد الأعراض الأولية لعدوى الإيدز.

إذا ما بينت الفحوص إن شخصا ما يحمل فيروس الإيدز، فعندئذ يوصى بإخضاعه على الفور لفحص يخصص للكشف عن السلّ. وإذا ما كانت نتتيجة فحص السل إيجابية، فعندئذ يوصى بإجراء تصوير للرئتين وفحوص ضرورية أخرى لكشف ما إذا كان مرض السل خامدا أم فعالا. وإذا كان المرض غير فعال، فهناك عدة علاجات طبية من شأنها منع المرض من التحول إلى مرض فعال. إن السل مرض يثير قلقا أكبر وأشدّ من الامراض الإنتهازية الأخرى، نظرا لكونه مرضا معديا جدا.

ويثير قلقا أكبر وأشدّ، وخاصة لدى المرضى الذين يحملون فيروس الإيدز أو الإيدز، نوع من السل حصين للأدوية ولا يمكن معالجته بالأدوية التقليدية، مثل المضادات الحيوية.

4- السلمونيلـّة (Salmonella) - التهاب الامعاء:
ينتقل هذا المرض التلوثي المعدي عن طريق الماء أو الطعام الملوثين.

وتشمل أعراضه: الإسهال الحاد، ارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى)، القشعريرة، آلام البطن والقيء أحيانا.

بالرغم من إن كل من يتعرض لجرثومة السلمونيلة يصاب بالمرض، إلا ان مرض السلمونيلة أكثر إنتشارا لدى حاملي فيروس الإيدز. 

من الممكن تقليص خطر الإصابة بالمرض عن طريق غسل اليدين جيدا بعد ملامسة الطعام أو الحيوانات، والإهتمام بطهي اللحوم والبيض كما ينبغي.

5- ورم وعائي (ورم في الأوعية الدموية):
يحدث هذا التلوث نتيجة لفيروس يدعى (Bartonella henselae) أعراضه الأولية هي بقع أرجوانية إلى حمراء اللون تظهر على الجلد. الأعراض قريبة جدا من أعراض ساركومة كابوزي (Kaposi's sarcoma) غير أنها قادرة على الإنتشار إلى مناطق وأعضاء أخرى في الجسم، بما في ذلك الكبد والطحال.

2- أخماج فيروسيّة (Viral infections):
والتي تشمل:

1- الفيروس المُضَخّم للخلايا (Cytomegalovirus - CMV):
هذا الفيروس الشائع والمسبب للهربِس (الحَلَأ - Herpes) ينتقل، بالأساس، بواسطة سوائل الجسم، مثل: اللعاب، الدم، المني وحليب الأم.

يستطيع الجهاز المناعيّ السليم أن يبطل مفعول هذا الفيروس محوّلا إياه إلى فيروس خامل في الجسم. ولكن، حين يكون الجهاز المناعي ضعيفا يصبح الفيروس فعالا وقد يسبّب أضرارا في العينين، في الجهاز الهضمي، في الرئتين وفي أعضاء أخرى من الجسم. ويسبب فيروس CMV، في أغلب الحالات، تلوثات وإلتهابات في شبكية العين (CMW retinitis). وإذا لم تتم معالجة مثل هذا الالتهاب في العين فقد يتفاقم إلى درجة العمى الكلي.

2- إلتهاب الكبد الفيروسي (Hepatitis):
تشمل أعراض التهاب الكبد الفيروسي: إصفرار بياض العين (اليرقان - jaundice)، التعب، الغثيان، آلام البطن، فقدان الشهية والإسهال. هنالك عدة أنواع من إلتهاب الكبد الفيروسي، غير أن هناك ثلاثة أنواع منتشرة بشكل خاص هي: B، A و C.

قد يؤدي إلتهاب الكبد من النوعين B،C إلى تلوث مزمن ومستمر، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات بعيدة المدى، مثل: تليف أو تشمّع الكبد (Cirrhosis) وسرطان الكبد. وإذا كان شخص ما يحمل فيروس الإيدز وأصيب بالتهاب الكبد الفيروسي، فعندئذ قد يكون معرضا للإصابة، مستقبلا، بتسمم الكبد نتيجة للأدوية التي سيضطر إلى تناولها لمعالجة ذلك المرض.

3- الهربس البسيط (Herpes Simplex Virus – HSV):
إن فيروس الهربس البسيط، الذي يسبب ظهور الهربس في الأعضاء التناسلية غالبا، ينتقل عند ممارسة جنس شرجي أو فموي بدون وقاية.

وتشمل الأعراض الأولية لهذا المرض: آلاما أو تهيّجا وحكة في مناطق الأعضاء التناسلية. ثم تظهر، بعد ذلك، بثور تحتوي على سوائل تنفجر وتنزف في مناطق الأعضاء التناسلية، المؤخرة وحول فتحة الشرج. وبالرغم من إن هذه الجروح تشفى، عادة، من تلقاء نفسه، إلا أن الفيروس يعود ويظهر بشكل دوري مسببا نفس الأعراض، مرارا وتكرارا.

وإذا كان شخص ما حاملا لفيروس الإيدز، فالمرجّح أن يكون التلوث الجلدي الناجم عن فيروس الهربس البسيط لديه أكثر شدة وخطورة مما يمكن أن يكون عليه لدى الأشخاص الأصحاء، وقد يحتاج أحيانا إلى وقت أطول لشفاء الجراح.

كذلك، من المرجح أن تكون أعراض الهربس العامة لديه أشد خطورة. فبالرغم من إن الهربس مرض لا يشكل خطورة على الحياة، إلا أنه قد يؤدي، في الحالات الخطيرة، إلى العمى أو إلى ضرر دماغي.

4- فَيروسُ الوَرَمِ الحُلَيمِيُّ البَشَرِيّ (Human papilloma virus):
يعتبر هذا الفيروس أحد الفيروسات الأكثر إنتشارا بين الفيروسات المنتقلة عن طريق الإتصال الجنسي.

تسبب بعض أنواع هذا الفيروس ظهور ثآليل بسيطة. وقد تسبب أنواع اخرى منه ظهور الثآليل في منطقة الأعضاء التناسلية.

إذا ما كان شخص ما حاملا لفيروس الإيدز فإنه يكون أكثر عرضة للإصابة بتلوث ناجم عن فيروس الورم الحليمي، إضافة إلى احتمال زائد لإصابته بتلوثات متكررة يسببها هذا الفيروس. ويشكل التلوث الناجم عن فيروس الورم الحليمي خطرا كبيرا، بشكل خاص، على النساء لأنه يزيد من إحتمال الإصابة بسرطان عنق الرحم.

إن اجتماع فيروس الإيدز وفيروس الورم الحليمي البشري معا يزيد من درجة الخطر لدى النساء بشكل كبير، إذ وجد أن سرطان عنق الرحم يهاجم النساء الحاملات لفيروس الإيدز، بصورة أشدّ خطورة وفتكا. وقد صادقت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية، في العام 2006 للمرة الأولى، على إستخدام لقاح (Vaccine) ضد الأنواع الأشد خطورة من فيروس الورم الحليمي.

وقد تبين إن هذا اللقاح فعال، بالأساس، عند إعطائه لفتيات قبل أن يبدأن بممارسة علاقات جنسية، لكنه فعال وناجع أيضا للنساء الشابات حتى سن 26 عاما اللواتي تمارسن علاقات جنسية اعتيادية.

أما إذا كان هذا اللقاح غير ملائم لسيدة حاملة لفيروس الإيدز و/أو تمارس علاقات جنسية من غير وقاية مع عدد كبير من الشركاء، فمن المفضل أن تخضع لفحص لكشف سرطان عنق الرحم يدعى "اختبار بابانيكولاو" (Papanicolaou test) (أو: مسحة عنق الرحم المخبرية - Pap smear) مرة واحدة كل سنة، إذ يتم في هذا الاختبار فحص خلايا أخذت من عنق الرحم بغية نفي إحتمال الإصابة بسرطان عنق الرحم، بورم حليمي أو بأمراض جنسية أخرى تنتقل بالعلاقات الجنسية.

ويوصى كل إنسان يمارس الجنس الشرجيّ بالخضوع لفحص خاص لكشف السرطان في فتحة الشرج، نظرا لأن فيروس الورم الحليمي يزيد من خطر الإصابة بهذا السرطان لدى كل من الرجال والنساء، على حد سواء.

5- اعْتِلالُ بَيضاءِ الدِّماغِ العَديدُ البَؤَرِ المُتْرَقِيّ (Progressive multifocal leukoencephalopathy – PML):
إلتهاب الدماغ الفيروسي هو إلتهاب حاد تسببه الفيروسة التَّورامِيّة البشرية (Human polyomavirus) من نوع (JCV - John cunningham virus).

تختلف أعراض المرض وعلاماته الأولية، من حالة إلى أخرى، وتشمل: صعوبات في التكلم، ضعف في جهة واحدة من الجسم، فقدان القدرة على الرؤية في إحدى العينين او كلتيهما أو فقدان الإحساس في أحد الأطراف.

أما إلتهاب السحايا الفيروسي فيظهر فقط عند إصابة الجهاز المناعي بضرر كبير.

3- أخماج فطريّة (Fungal infections):
وهي تشمل:

1- داء المبيضّات (Candidiasis):
يُعد فُطار (مرض متسبب من فطر – Mycosis) داء المبيضّات أحد أكثر التلوثات الخاصة بمرضى الإيدز إنتشارا.

يؤدي داء المبيضّات إلى نشوء طبقة بيضاء سميكة فوق غشاء الفم، اللسان (فطر الفم والحنجرة)، المريء (مُبيَضّة المريء - Candida esophagitis) أو في المهبل. تكون الأعراض أكثر حدة لدى الأطفال، عامة، وتظهر بالأساس في الفم والمريء، مسبّبة آلاما حادة وصعوبات في تناول الأكل.

2- الْتِهابُ السَّحايا بالمُستَخْفِيات (Cryptococcal meningitis):
إلتهاب السحايا هو إلتهاب يصيب السحايا (غلاف الحبل الشوكي والدماغ - Meninges) والسوائل الحاوية والحافظة للدماغ ومنطقة النخاع الشوكي.

التهاب السحايا بالمستخفيات هو إلتهاب في الجهاز العصبي المركزي وهو منتشر لدى حاملي ومرضى الايدز (HIV).

يحدث هذا الالتهاب نتيجة لفطر موجود في التربة. كما يتواجد الفطر، أيضا، في إفرازات الطيور والخفافيش.

وتشمل أعراض هذا الالتهاب: الصداع، ارتفاع درجة حرارة الجسم (حمّى)، تصلب (تيبّس) الرقبة وحساسية مفرطة للضوء.

من الممكن معالجة التهاب السحايا بالمستخفيات بواسطة أدوية مضادة للفطريات، لكن الإكتشاف والعلاج المبكرين هما أساس الشفاء.

التهاب السحايا هو مرض خطير جدا قد يسبب مضاعفات وتعقيدات صعبة جدا، بل قد يسبب الموت حتى، خلال فترة زمنية قصيرة. في حال الإصابة بإلتهاب السحايا بالمستخفيات ينبغي الخضوع لعلاج دوائي طويل الأمد من أجل ضمان عدم معاودة المرض مستقبلا.

4- أخماج طفيليّة (Parasitic infections):
والتي تشمل على:

1- الْتِهابٌ رِئَوِيٌّ بالمُتَكَيِّسَةِ الجُؤْجُؤِيَّة (PCP - Pneumocystis carinii pneumonia):
على الرغم من إن العلاج بالأدوية المضادة للفيروسات القهقرية أثبت قدرته على التقليل من عدد المرضى المصابين بالالتهاب الرئوي من نوع PCP، إلا أن هذا المرض لا يزال أحد الأمراض الأكثر انتشارا بين حاملي ومرضى فيروس الإيدز في الولايات المتحدة.

يصيب هذا الإلتهاب الرئتين مسببا ضيق النفس. ومن بين أعراضه، أيضا: السعال المتواصل، ارتفاع درجة الحرارة (الحمى).

2- داء المقوّسات (Toxoplasmosis):
هذا التلوث، الذي قد يسبب الوفاة أحيانا، يسببه طفيليّ يدعى المُقـَوَّسَة الغوندِيّة (أو: القـَندِيّة - Toxoplasma gondii). ينتشر هذا الطفيلي، بالأساس، بواسطة القطط.

تنقل القطط المصابة بالطفيلي المرض عن طريق البراز أو من خلال نقله إلى حيوانات أخرى. ويصاب بنو البشر بهذا الطفيلي، بشكل عام، عند لمسهم أفواههم بأيديهم دون غسلها جيدا بعد معالجة فراش قططهم، أو نتيجة أكلهم لحما غير مطبوخ بشكل كاف، الغنم أو الغزلان.

بعد التعرض إليه، ينتشر هذا الطفيلي إلى جميع أعضاء الجسم، بما فيها القلب، العينان والرئتان. وقد يتفاقم داء المقوّسات لدى الأشخاص الحاملين للإيدز أو المصابين به فيتطور إلى مرض الـتهاب الدماغ (Encephalitis). وتشمل أعراضه: التَّوَهان الحيّزي (عدم القدرة على التوجه المكاني - Spatial disorientation)، اختلاجات (Convulsios) وصعوبات في السير والكلام.

3- داءُ خَفِيَّاتِ الأَبْواغ (Cryptosporidiosis):
تلوث يسببه طفيليّ موجود، عادة، في أمعاء الحيوانات المختلفة. ينتقل عادة بعد استهلاك ماء او غذاء ملوث بالطفيلي. يتطور الطفيلي في الأمعاء وفي القـُنَيّات الصفراوية (قنيّات المرارة - Biliary ducts)، فيسبب الإسهال الحاد والمزمن لدى الأشخاص الحاملين لفيروس الإيدز أو المصابين به.

5- السرطان (Cancer):
1- ساركومة (غرن) كابوزي (Kaposi's sarcoma):
هو ورم سرطاني ينشأ ويتطور على جدران الأوعية الدموية.

بالرغم من كون هذا النوع من السرطان نادرا بين الأشخاص غير الحاملين لفيروس الإيدز، إلا أنه منتشر جدا بين حاملي فيروس الايدز.

يظهر هذا النوع من السرطان بشكل عام كبقع أرجوانية إلى حمراء اللون على الجلد وفي تجويف الفم. وتظهر هذه البقع بلون بني غامق أو أسود لدى الأشخاص ذوي البشرة الداكنة اللون. وقد تصيب ساركومة كابوزي أعضاء الجسم الداخلية أيضا، بما في ذلك الجهاز الهضميّ والرئتان.

ولا يزال العلماء يواصلون البحث عن توليفات جديدة من أدوية العلاج الكيميائية لمعالجة هذا النوع من السرطان، وذلك في موازاة البحث، أيضا، عن طرق حديثة لإعطاء هذه الادوية.

بالإضافة إلى ذلك، وكما في معظم التلوثات الإنتهازية المتعلقة بالإيدز، فقد قلّص إستعمال مضادات الفيروسات القهقرية من إنتشار هذا النوع من السرطان، كما خفف من عدد وحجم الجروح الظاهرة لدى الأشخاص الذين أصيبوا به.

2- لِمْفُومةٌ لَاهودجكينيَّة (Non - Hodgkin's lymphoma):
مصدر هذا السرطان في اللمفاويات (الخلايا اللمفية)، التي هي نوع من أنواع خلايا الدم البيضاء.

تتمركز اللمفاويات في النّـِقي (نخاع العظم - Bone marrow)، الغدد اللمفية، الطحال، الجهاز الهضمي والجلد. وتبدأ هذه اللمفومة في الغدد اللمفية، عادة، رغم إنها يمكن أن تبدأ في أي عضو من أعضاء الجسم. وتشمل أعراضها الأولية: الانتفاخ، غير مصحوب بأوجاع، في الغدد اللمفية في منطقة الرقبة، في الإبط  أو في الأُربيّة (Groin).

مضاعفات أخرى:
فـَقد الوزن (متلازمة الهزال - Wasting Syndrome): اعتماد برامج علاجية صارمة أدى إلى تقليص ظاهرة فقد الوزن لدى مرضى الإيدز، لكن هذا العَرَض ما زال يصيب العديد من المرضى. ويعرّف فـَقد الوزن بأنه فقدان أكثر من 10% من وزن الجسم، بحيث يكون مصحوبا في أحيان عديدة بإسهال، ضعف مزمن وإرتفاع في درجة حرارة الجسم.
مضاعفات عصبيّة: على الرغم من إن مرض الإيدز لا يهاجم الخلايا العصبية، إلا أنه قد يؤدي إلى مضاعفات عصبية، مثل: الارتباك، فقدان الذاكرة، التغيرات السلوكية، الاكتئاب، القلق وصعوبات في المشي. وأحد الأعراض العصبية الأكثر إنتشارا هو الخَرَف (Dementia)، الذي يؤدي إلى حصول تغيرات سلوكية ويحدّ من أداء الدماغ. ويتمثل العلاج، بشكل عام، في إعطاء أدوية مضادة للفيروسات القهقرية.
تشخيص الإيدز
يتم تشخيص الإيدز بواسطة فحص دم أو فحص الغشاء المخاطي في الفم لكشف عما إذا كانت ثمة أضداد لفيروس الايدز.

وتوصي مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية (Centers for Disease Control and Prevention - CDC) بإجراء فحوصات الإيدز هذه للمراهقين والبالغين، في الأعمار بين 13 و 64 عاماً، كجزء أساسي من الفحوصات الطبية الروتينية.

توصي مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بأن يخضع لفحوصات الإيدز مرة واحدة في السنة، على الأقل، كل شخص ينتمي إلى أي واحدة من مجموعات الخطر المذكورة أعلاه.

للأسف، فإن فحوصات الإيدز لا تعطي نتائج دقيقة تماما حين يتم إجراؤها بعد التعرض لفيروس الايدز على الفور، وذلك لأن جسم الإنسان في حاجة إلى بعض الوقت لتطوير الأضداد الملائمة لفيروس الايدز.

وربما يحتاج الأمر إلى 12 أسبوعا على الأقل منذ لحظة التعرض لعدوى فيروس الايدز ، بل قد تطول المدة في بعض الحالات النادرة إلى نحو ستة أشهر أو اكثر لكي يكون بالإمكان الكشف عن وجود فيروس الايدز في الجسم.



الفحوصات التي تمكن من تشخيص الايدز:
1- مُقَايَسَةُ المُمْتَزِّ المَناعِيِّ المُرتَبِطِ بالإِنْزِيْم - إِليزا (Enzyme - linked immunosorbent assay - ELISA) واختبارات اللطخة الغربية (Western Blot Test)

طيلة سنوات عديدة، كان الفحص الوحيد المتوفر لإكتشاف وجود أضداد لفيروس الإيدز في الجسم هو فحص "إليزا"، الذي يكشف عن أضداد فيروس الايدز في عيّنة دم تم أخذها من الشخص المعني.

فإذا كانت نتائج الفحص إيجابية، أي بيّنت وجود أضداد فيروس الايدز في الدم، يتم إجراء الفحص مرة ثانية. وإذا كانت النتائج ايجابية في الفحص المُعاد (في المرة الثانية)، أيضا، فسيتوجب على الشخص المعني نفسه إجراء فحص دم إضافي يدعى "اختبار اللطخة الغربية" (Western Blot Test)، الذي يفحص وجود بروتينات الايدز (HIV) في الدم.

2- اختبار اللطخة الغربية

يكتسب "اختبار اللطخة الغربية" أهمية خاصة في تشخيص الايدز نظرا لأن الدم قد يحتوي على أضداد هي ليست أضداد فيروس الإيدز، لكنها قادرة على تشويش نتائج فحص "إليزا" وإعطاء نتيجة إيجابية، بينما هي في الحقيقة نتيجة مغلوطة.

وقد أتاح استخدام هذين الفحصين معا، في حينه، التأكد من الحصول على نتائج دقيقة، فكان تشخيص الايدز الذي يؤكد حمل فيروس الايدز يعتبر نهائيا وموثوقا فقط بعد الحصول على نتائج إيجابية في الفحوصات الثلاثة المفصلة أعلاه.

لكن العيب الأساسي والكبير في هذه الفحوصات هو الحاجة إلى الإنتظار مدة أسبوعين للحصول على نتائج الفحوصات الثلاثة كلها، الأمر الذي قد يكلّف ثمنا نفسيا بالغا وقد يؤدي إلى عدم رجوع الشخص المعني إلى العيادة للحصول على نتائج فحوصاته.

فحوصات سريعة:
هنالك، اليوم، العديد من الفحوصات السريعة التي تعطي نتائج دقيقة وموثوقة في غضون نحو 20 دقيقة. وتهدف هذه الفحوصات إلى الكشف عن وجود أضداد فيروس الايدز في الدم أو في السوائل في اللثة العلوية، أو السفلية، بعد أخذ عيّنات منها.

الفحص المأخوذ من سوائل الفم يعطي نتائج دقيقة، بنفس دقة النتائج التي يعطيها فحص الدم، بل ويوفر عناء أخذ الدم. ولكن، عند الحصول على نتيجة ايجابية في الفحص السريع يتوجب إجراء فحص دم للتأكد من النتيجة.

ونظرا لكون هذه الفحوصات حديثة العهد، نسبيا، فقد صودق على إجرائها، بداية، في عدد محدد من المختبرات المؤهلة فقط، ولذا فمن المحتمل ألا تكون هذه الفحوصات متاحة في كل مكان.

فحوصات بيتية:
أجازت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA)، مؤخرا، استخدام طقم عُدّة لفحص يجرى في البيت للكشف عن مرض الإيدز.

وتتولى تسويق هذا الفحص البيتي المسمى  (Home Access HIV - 1 Test) شركة تدعى (Home Access Health).

ويمتاز هذا الفحص بدقته المماثلة لدقة الفحص المخبري. وجميع النتائج الإيجابية التي يتم الحصول عليها في هذا الفحص يتم إخضاعها لفحص إضافي آخر.

وخلافا للفحص البيتي لكشف الحمل، فإن نتائج الفحص البيتي لكشف الإيدز لا يتم تحليلها بشكل ذاتي، وإنما يتوجب على الشخص المعني الذي يجري الفحص أن يرسل عينة من دمه إلى المختبر، ثم الاتصال بعد بضعة أيام للحصول على نتائج الفحص.

هذه الطريقة تضمن الخصوصية، حيث يتم التعرف على الشخص صاحب الفحص بواسطة الرقم الرمزي (Code number) الموجود على كل واحد من أطقم العدّة.

النقص الأساسي في هذه الطريقة يكمن في عدم حصول الشخص الخاضع للفحص على المشورة الشخصية المباشرة التي كان يمكن أن يحصل عليها لدى توجهه إلى الطبيب المعالج أو إلى العيادة، وذلك بالرغم من أنه يُعرَض عليه توجيهه إلى الخدمات الطبية أو إلى الخدمات الاجتماعية.

بصرف النظر عن الفحص المحدد الذي يختار الشخص إجراءه والخضوع إليه، فحص تختار الخضوع، ففي حال اكتشاف حمله لفيروس الإيدز، يتوجب عليه أولا إبلاغ شريك/ة حياته بالأمر، فورا، لكي يتمكن هو الآخر من إجراء الفحص وإتخاذ التدابير الوقائية اللازمة.

في حال حصول شخص ما على نتيجة إيجابية تبين إنه يحمل فيروس الإيدز، فبإمكان طبيبه المعالج مساعدته في تقدير المراحل المتوقعة لتطور مرض الايدز، إذ إن هذا الفحص يبيّن كمية الفيروسات الموجودة في الدم (الحمولة الفيروسية).

وقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص ذوي الحمولة الفيروسية المرتفعة يمرضون أكثر من ذوي الحمولة الفيروسية المنخفضة.

كما يتم إجراء فحوصات الحمولة الفيروسية أيضا لتحديد موعد البدء بالمعالجة الدوائية وموعد تغييرها.

علاج الإيدز

عند إكتشاف فيروس الإيدز للمرة الأولى، في سنوات الـ 80 من القرن الماضي، لم يكن يتوفر إلا القليل من الأدوية لعلاج فيروس الايدز والتلوثات / الأخماج الإنتهازية المرافقة له.

ولكن منذ ذلك الوقت، تم تطوير العديد من الأدوية لعلاج فيروس الايدز (HIV)، الإيدز والتلوثات الإنتهازية المرافقة له. وقد ساعدت هذه الانواع من علاج الايدز العديد من الأشخاص، بما في ذلك الأطفال، ورفعت من جودة حياتهم.

يقدر الباحثون في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (National Institutes of Health - NIH) أن علاج الايدز والادوية المضادة للفيروسات القهقرية التي أعطيت للمرضى المصابين بمرض الإيدز في الولايات المتحدة منذ العام 1989 منحت هؤلاء المرضى إضافة تُعد ببضع سنوات على مؤملات الحياة (Life expectancy) لديهم.

لكنّ أيّا من هذه الأدوية لا يشكل علاجا شافيا لمرض الإيدز، ناهيك عن إن للعديد منها أعراضا جانبية قاسية، إضافة إلى كونها مكلفة جدا.

وزيادة على هذا كله فان علاج الايدز وتناول مثل هذه الأدوية لسنوات طويلة، تزيد أحيانا عن 20 سنة، يُفقدها مفعولها ونجاعتها نظرا لأن العديد من المرضى المصابين بمرض الإيدز المعالَجين بها يطورون قدرة على تحملها ومقاومتها فلا يعودون يتأثرون بها.

وعلى ضوء ذلك، تجرى أبحاث حثيثة لتطوير وإنتاج أدوية جديدة تكون قادرة على مساعدة هؤلاء المرضى المصابين بمرض الإيدز.

إرشادات وتوجيهات من اجل علاج الايدز:
عكفت مجموعة رائدة من الباحثين في موضوع علاج الايدز على صياغة لائحة من التوصيات الموجهة إلى مرضى الإيدز تتضمن إرشادات توجيهات تتعلق بعلاج الايدز المضادة للفيروسات القهقرية. تعتمد هذه التوصيات على أفضل المعلومات التي توفرت حتى كتابة التوصيات.

 AIDSinfo - هو برنامج لخدمات الصحة العامة في الولايات المتحدة، يهدف إلى حتلنة، تحديث وتحسين هذه التوصيات وفقا للمعلومات الأحدث المكتشفة عن مرض الإيدز.

وبحسب قائمة التوصيات الحالية، ينبغي على علاج الايدز أن يركـّز على كبت وإخفاء أعراض الايدز لأطول فترة زمنية ممكنة. ويُعرف هذا التوجه الهجومي بـ "المعالجة الشديدة الفعالية بمضادات الفيروسات القهقرية" (Highly active antiretroviral therapy - HAART).

الهدف من برنامج (HAART) هو تقليص كمية الفيروسات الموجود في دم المريض إلى الحد الأدنى الذي لا يمكن فيه حتى ملاحظتها أو اكتشافها، رغم ان هذا لا يعني إختفاء مرض الايدز من دمه بشكل كلي ونهائي. ومن الممكن الوصول إلى هذه النتيجة عن طريق دمج ثلاثة أدوية أو أكثر، معا.

تضع توصيات علاج الايدز نصب أعينها موضوع جودة الحياة، ولذلك فإن الهدف الأساسي في علاج الإيدز هو إيجاد النظام العلاجي الأكثر سهولة وبساطة والأقل أعراضا جانبية.

في حال كون شخص ما مصابا بفيروس الايدز (HIV) أو بمرض الإيدز، فمن المهم أن يكون شريكا فعالا في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتدابير وخطوات علاج الإيدز الخاصة به.

وينبغي عليه مناقشة برامج علاج الإيدز المعروضة عليه مع طبيبه المعالج، وذلك لتقييم الأخطار والفوائد في كل من العلاجات المقترحة من اجل علاج الإيدز، حتى الوصول إلى قرار واع وحكيم بشأن علاج الإيدز، الذي قد يكون معقدا وقد تطول مدته.

أدوية مضادة للفيروسات القهقرية (Anti - retroviral drugs):
تقوم الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية بكبح نمو وتكاثر فيروس الإيدز (HIV) في المراحل المختلفة من دورة حياته. وتتوفر هذه الأدوية بسبع مجموعات مختلفة:

مثبّطات إنزيم المُنْتَسِخَة العكسية المضاهئ للنوكليوزيد (Nucleoside analog reverse - transcriptase inhibitors - NARTIs or NRTIs)
مثبطات البروتياز (Proteaseinhibitors - PIs)
مثبّطات إنزيم المُنْتَسِخَة العكسية اللا نوكليوزيدية (Non - nucleosidereverse - transcriptase inhibitors - NNRTIs)
مثبّطات إنزيم المُنْتَسِخَة العكسية النوكليوزيدية (Nucleosidereverse - transcriptase inhibitors - NtRTIs)
مثبطات الاندماج (Fusion inhibitors)
مثبطات الإنزيم المدمِج (مثبطات الاندماج بالمادة الوراثية - Integrase inhibitos)
Chemokine co - receptor inhibitors.
الاستجابة لعلاج الايدز:
 يقاس مدى الاستجابة مع علاج الايدز بحسب مستوى "الحِمْل الفيروسي" (Viral load - كمية الفيروسات في الدم) لدى المريض. يجب قياس الحمل الفيروسي عند بدء المعالجة الدوائية وبعد ذلك بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، طوال مدة علاج الإيدز. وفي بعض الحالات الخاصة وغير الاعتيادية يمكن أن تجرى هذه الفحوصات خلال فترات متقاربة أكثر.

طرق جديدة لعلاج الايدز:
لا تزال تشكيلة منوعة وواسعة من الأدوية لمعالجة الأعراض الجانبية لفيروس HIV أو الإيدز في مراحل الاختبار والفحص والتطوير في المختبرات المختلفة.

الوقاية من الإيدز
لا يتوفر، حتى الآن، لقاح فعال يقي من الإصابة بفيروس الإيدز، كما لا يتوفر، حتى الآن، علاج شاف لمرض الإيدز.

لكن كل شخص بإمكانه وقاية نفسه والآخرين من الاصابة بمرض الإيدز، وذلك عن طريق دراسة مرض الإيدز وفهم حيثياته والإمتناع عن كل ما من شأنه أن يعرّضه لإفرازات ملوثة بفيروس الإيدز، مثل: الدم، المني، الإفرازات المهبلية وحليب الأم.

الأشخاص غير المصابين بمرض الإيدز قد يستفيدون من النصائح التالية للوقاية ومنع الاصابة بفيروس الإيدز:

التوعية الذاتية وإرشاد للأخرين
الوعي بحالة الشريك/ة في أية علاقة جنسية في ما يتعلق بفيروس الإيدز ومرض الإيدز
ضرورة استعمال عازل ذكري جديد (Condom) لدى إقامة علاقة جنسية
فحص إمكانيات الختان (للذكور)
ضرورة إستعمال حـُقن نظيفة
اعتماد الحذر الشديد عند التعامل مع مشتقات دم من دول معينة
إجراء فحوصات لكشف المرض بشكل دوري وثابت
الابتعاد عن اللامبالاة.


طرق منع نقل العدوى:
أما الأشخاص الحاملون لفيروس الايدز (HIV) أو المصابون بمرض الإيدز، فقد تساعدهم النصائح التالية في منع نقل العدوى بفيروس الايدز إلى أشخاص آخرين:

ضرورة ممارسة الجنس الآمن (بوسائل وقائية) فقط
ضرورة إبلاغ الشريك/ة بحقيقة الحمل لفيروس الإيدز
إذا كانت الشريكة حاملا فمن الواجب إخبارها بحقيقة حمل فيروس الإيدز
ضرورة إبلاغ الأشخاص الذين من المهم أن يعرفوا الحقيقة
الامتناع عن استعمال الإبر، الحُقـَن أو أدوات حـَقن خاصة بالآخرين
الإمتناع عن التبرع بالدم أو التبرع بالأعضاء
الامتناع عن استعمال شفرات الحلاقة أو فراشي الأسنان الخاصة بالآخرين
في حالة الحمل، ينبغي التوجه لتلقي علاج طبي بشكل فوري.

كيف يتغلب الڤيروس HIV على الجهاز المناعي




كيف يتغلب الڤيروس HIV على الجهاز المناعي
نظرية منطقية تفترض أن الانهيار المناعي المؤدي إلى الإيدز ينجم
عن تطورات مستمرة وخطيرة للڤيروس HIV في جسم المصاب.
<A.M. نوڤاك> ـ <J.A.مك مايكل>

يبدو أن التفاعل بين ڤيروس عوز المناعة البشري (HIV) وبين الجهاز المناعي أكثر ديناميكية مما يتصور معظم العلماء. فقد تبين من أبحاث أُجريت مؤخرا، أن الڤيروس HIV يتنسّخ replicates بسرعة هائلة فيدمر في كل يوم عددا كبيرا من خلايا الجهاز المناعي. غير أن هذا التكاثر الڤيروسي يواجَه عادة ـ وعلى مدى سنوات عديدة ـ باستجابة دفاعية شديدة تمنع الڤيروس من التكاثر بمعدل يتجاوز حدود السيطرة. ولكن هذا التوازن يختل في آخر المطاف لصالح الڤيروس HIV، الأمر الذي يؤدي إلى القصور المناعي الوخيم الذي يميز الصورة المَرَضية المكتملة لحالة الإيدز AIDS.

لقد توصلنا إلى فرضية تطورية evolutionary hypothesis يمكن أن تفسر كيفية تخلص الڤيروس من سيطرة المناعة في نهاية الأمر، وتفسر أيضا فترة الكُمون (الهجوع) الطويلة بين حدوث العدوى (الخَمَج) بالڤيروس وظهور الإيدز، وتوضح أسباب التفاوت البيّن في مدة الكُمون بين مريض وآخر؛ إذ تتقدم حالة معظم المصابين بالعدوى باتجاه مرحلة الإيدز خلال نحو عشر سنوات، لكن بعض حالات الإيدز يتم تشخيصها خلال عامين بعد العدوى. كما أن البعض الآخر لا يصل إلى مرحلة الإيدز إلا بعد مضي خمسة عشر عاما أو أكثر.

إننا نعتقد أن الاستجابة المناعية القوية التي تمكّن الكثيرين من المرضى من البقاء أصحاء سنوات عديدة، تنهار في النهاية بفعل الطفرة mutation المستمرة للڤيروس. وكما سنبين لاحقا، فإن أشكالا ڤيروسية viral variantsجديدة يمكن أن تظهر ويكون باستطاعتها تجنب القوى الدفاعية للجسم بطريقة ما. وفي رأينا، إن تراكم العديد من هذه الأشكال الڤيروسية يمكن أن يُربك الجهاز المناعي بدرجة لا يستطيع معها مقاومة الڤيروس على نحو فعال.

ولفهم كيفية وصولنا إلى هذه الفرضية التي أخذت تدعمها البيانات (المعطيات) السريرية، من المفيد أن نعرض بإيجاز كيف يقضي الجهاز المناعي على الڤيروسات بشكل عام، وكيف يتعامل مع الڤيروس HIV على وجه الخصوص. فعندما يدخل أي ڤيروس إلى الجسم ويغزو خلاياه، تبدأ القوى الدفاعية بشن هجوم متعدد الوسائط على أهداف محددة جيدا. فتلتهم البلاعم macrophages ـ والخلايا الأخرى ذات الصلة ـ بعض الجسيمات الڤيروسية الحرة وتفتّتها، ثم تقوم هذه الخلايا بتثبيت بعض الشدف البروتينية (أي الپپتيدات peptides) في أخاديد فوق بروتينات تعرف باسم مستضدات الخلايا البيضاء البشرية (human leukocyte antigens (HLAs. وتُبرِز الخلايا بعد ذلك هذه المركبات (المعقّدات) complexes المناعية على سطوحها ليتعرفها نوع من خلايا الدم البيضاء يُسمى اللمفاويات التائية المساعدة helper T lymphocytes.

الجسم يصدّ الهجوم
تحمِل كل من اللمفاويات التائية المساعدة مستقبِلات receptors قادرة على تعرّفِ پپتيدٍ سطحي مفرد يسمى المُعَيِّن المستضدي (الحاتمة) epitope. فإذا ما صادفت المعيِّن المستضدي المقابل لها على سطح إحدى البلاعم أو الخلايا المماثلة، فإنها ترتبط بالپپتيد وتأخذ في الانقسام وإفراز بروتينات صغيرة. وتساعد هذه البروتينات على تحفيز وتنشيط تكاثر عناصر أخرى في الجهاز المناعي وبخاصة اللمفاويات التائية السامة للخلاياcytotoxic أو القاتلة killer واللمفاويات البائية B lymphocytes.

وفي الظروف المناسبة تهاجم الخلايا التائية القاتلة الخلايا المصابة بالڤيروس هجوما مباشرا. وعلى غرار البلاعم، تقوم الخلايا المصابة بتفتيت بعض الجسيمات الڤيروسية وربْط شُدف معينة منها بجزيئات المستضداتHLA، وبالتالي إبراز هذه المركّبات المناعية على سطوح الخلايا. فإذا ما تعرفت لمفاويةٌ تائية سامة للخلايا بوساطة مستقبِلاتها أحدَ المعيِّنات (المحددات) المستضدية على سطح خلية مصابة، فإنها ترتبط به وتدمر هذه الخلية قبل إنتاج المزيد من الجسيمات الڤيروسية. أما اللمفاويات البائية المنشَّطة فإنها تفرز أضدادا antibodies تتعرف الپپتيدات النوعية على السطوح الڤيروسية. وتميز الأضدادُ الجسيماتِ الڤيروسية الحرة التي لم تتشظَّ (تتفتت) داخل الخلايا بعد، تمهيدا لتدميرها.

ومن المعتقد أن كل هذه الاستجابات المناعية تشارك في الدفاع ضد الڤيروس HIV؛ إذ يغزو الڤيروس في المرحلة الأولية (البدئية) من العدوى اللمفاويات التائية المساعدة والبلاعم. كما أنه يتنسَّخ على نحو غير مكبوح مدة من الزمن. ومع تزايد كمية الڤيروسات ينخفض تعداد الخلايا المساعدة؛ كما تموت البلاعم أيضا، إلا أن تأثير الڤيروس عليها لم يُدرس دراسة كافية. وتهلك الخلايا التائية المصابة؛ إذ تنطلق عبر غشائها الخلوي آلاف من الجسيمات الڤيروسية الجديدة. لكن اللمفاويات التائية السامة للخلايا واللمفاويات البائية سرعان ما تبدأ بتوجيه استجابة دفاعية قوية تؤدي إلى قتل العديد من الخلايا المصابة والجسيمات الڤيروسية. وتحد هذه الاستجابات من تكاثر الڤيروس وتهييء للجسم فرصة ليعوض مؤقتا رصيده من الخلايا المساعدة حتى تكاد تبلغ مستواها الطبيعي، وعلى الرغم من ذلك فإن تواجد الڤيروس في الجسم يستمر. وفي هذه المرحلة المبكِّرة التي قد تستمر بضعة أسابيع، يُبْدي نحو 30% من المصابين بالعدوى (المخموجين) بعضَ الأعراض، غالبا على شكل حمى قد تكون مصحوبةً بطفح جلدي وتورم في الغدد اللمفاوية. وبعد ذلك يدخل المصابون بالعدوى، ومن بينهم هؤلاء، مرحلة طويلة خالية من الأعراض.

تتبرعم جسيمات الڤيروس HIV المسبب للإيدز (الكريات الزرقاء)، خارجة من إحدى خلايا الدم البيضاء المصابة بالعدوى (المخموجة) قبل أن تتحرك لتصيب خلايا أخرى. ويحدّ الجهاز المناعي في البداية من هذا الانتشار إلا أن الڤيروس يتغلب في النهاية.

خلال هذه المرحلة الثانية، يواصل الجهاز المناعي عمله بشكل جيد، ويكون تركيز الڤيروس القابل للقياس خلالها منخفضا نسبيا. ومع ذلك يرتفع مستوى الڤيروس تدريجيا بالتوازي مع انخفاض تعداد اللمفاويات المساعدة. وتتزايد البيّنات على أن فقدان الخلايا المساعدة إنما هو نتيجة تدميرها من قِبَل الڤيروس واللمفاويات التائية السامة للخلايا، وليس بسبب تدني قدرة الجسم على توليد خلايا مساعدة جديدة. ومن المتناقضات المحزنة أن الخلايا القاتلة اللازمة للسيطرة على عدوى الڤيروس HIV، تدمر كذلك الخلايا التائية المساعدة التي تحتاج إليها لتؤدي عملها كما ينبغي.

ويُعتقد عموما أن المرضى يَعبُرون عتبة الإيدز عندما يبلغ تعداد الخلايا المساعدة لديهم أقل من 200 خلية في الميكرولتر من الدم، علما بأن تعداد هذه الخلايا لدى الأصحاء يبلغ 1000 خلية في الميكرولتر. وفي هذه المرحلة يحدث ارتفاع حاد في مستوى الڤيروس، في حين تنحدر مستوياتُ فعالية الجهاز المناعي نحو الصفر. وهذا الفقدان لفعالية الجهاز المناعي هو الذي يتيح عادة لبعض الكائنات المكروية (الصغرية) الحميدة benignmicroorganisms (ولاسيما الأوالي protozoa والفطريات fungi) إحداث أمراض مُهدِّدة لحياة المصابين بالإيدز. وحالما يصل المرضى إلى مرحلة الإيدز فإنهم نادرا ما يعيشون أكثر من عامين بعد ذلك.

إن استمرار وجود رد فعل مناعي قوي على الرغم من الهجمة المتصلة من الڤيروس HIV يثير التساؤل حول أسباب عجز الجهاز المناعي عن القضاء نهائيا على هذا الڤيروس في معظم الحالات، إن لم يكن في كلها. ومنذ عدة سنوات، دفعت ملامح الڤيروس المختلفة أحدنا (نوڤاك) وزملاءه (في قسم علم الحيوان بجامعة أكسفورد) إلى الاعتقاد بأن الجواب يكمن في قدرة الڤيروس على التطور داخل جسم الإنسان.

الڤيروس HIV في مواجهة الجهاز المناعي
تبدأ المعركة بين الڤيروس HIV وبين الجهاز المناعي بشكل جدي عندما يتنسّخ (يتكاثر) الڤيروس داخل الخلايا المصابة وتخرج الجسيمات الڤيروسية الجديدة من هذه الخلايا (المراحل1-5 في الجانب الأيسر). ويؤدي ارتفاع مستويات الڤيروس في الجسم إلى تحريض استجابات من عناصر متعددة في الجهاز المناعي (الجانب الأيمن). وتستطيع هذه الاستجابات تدمير الجسيمات الڤيروسية الحرة (1-5) فضلا عن الخلايا المصابة بالڤيروس (5a-4a). لكن هذه الاستجابات تعجز عموما عن التخلص نهائيا من الڤيروس HIV. ويعود ذلك إلى أن الڤيروس يصيب التائيات المساعدة والبلاعم ويقضي عليها، ولهذه الخلايا دور فاعل ورئيسي في الدفاع ضد الڤيروس HIV.

النظرية التطورية تستبق الأحداث
تقول النظرية التطورية إن الطفرة العفوية chance mutation في المادة الوراثية لكائن حي تولّد أحيانا خُلَّة (صفة) trait تزيد من قدرة هذا الكائن على البقاء. ويوضح هذا أن الكائن المعني يكون أكثر قدرة من نظرائه على تخطي عقبات البقاء وأكفأ في التكاثر. ومع مرور الوقت يسود النسل الذي يملك هذه الخُلة في الجمهرةpopulation الڤيروسية، متفوقا على غيره من الڤيروسات، على الأقل لحين اكتساب ڤيروس آخر خُلة أكثر قدرة على التكيف أو لحين تغير الظروف المحيطة بشكل يُحبِّذُ خصائص أخرى. وهكذا، فإن ضغوط البيئة هي التي تحدد الخلال المختارة للانتشار ضمن جمهرة ما.

وعندما تأمّل نوڤاك ومساعدوه دورة حياة الڤيروس HIV، بدا لهم واضحا أنه قادر على التطور متجنبا الضغوط التي يواجهها، أي ضغوط الجهاز المناعي للعائل (الثوي). فعلى سبيل المثال لوحظ أن الهيكل الجيني (الوراثي) للڤيروس يتغير بشكل دائم؛ حيث يؤدي معدل الطفرة العالي إلى زيادة احتمالات حدوث تغيرات جينية من شأنها إيجاد خُلة مواتية للبقاء. وتتأتى هذه القدرة الكبيرة على التغير الجيني من طبيعة إنزيم الانتساخ المعكوس reversetranscriptase في الڤيروس. ففي داخل الخلية، يستخدم الڤيروس هذا الإنزيم لنسخ جينومه (مجينه) الرناويRNA genome إلى دنا ثنائي الجديلة (الشريط) double strand DNA. ويُولَج هذا الدنا داخل صبغيchromosome من صبغيات العائل، وهناك يقود إنتاجَ المزيد من الرنا الڤيروسي والبروتينات الڤيروسية. وتتجمع هذه العناصر بدورها لتشكل جُسيمات ڤيروسية جديدة يمكنها الخروج من الخلية. ولما كان لدى إنزيم الانتساخ المعكوس استعداد للخطأ، فإن معدل الطفرة لدى الڤيروس HIV يكون مرتفعا خلال هذه العملية. ويقدّر أنه في كل مرة يحوّل الإنزيم فيها الرنا إلى دنا، فإن الدنا الجديد سيختلف عن الدنا الذي قبله في موقع واحد في المتوسط. ومن شأن هذا النمط من الطفرة أن يجعل الڤيروس HIV أكثر الڤيروسات المعروفة قدرة على التغير.

إن معدل التنسخ المرتفع للڤيروس HIV يزيد من أرجحية حدوث طفرات مواتية له. ولتوضيح مدى قدرة الڤيروس HIV على التكاثر، ينبغي أن نتأمل النتائج التي أعلنها في مطلع العام 1995 فريق بحث من جامعة ألاباما في برمنگهام بقيادة <M.G. شو>، وآخر من مركز آرون دياموند لأبحاث الإيدز في نيويورك بقيادة <D.D.هو>. فقد وجد هذان الفريقان أنه في كل يوم يتولد لدى المصاب بالعدوى، بليون جُسَيْم ڤيروسي جديد على الأقل. كما وجدوا أنه في غياب النشاط المناعي تتضاعف جمهرة الڤيروسات بمعدل مرة كل يومين. وتعني هذه الأرقام أن الڤيروسات التي توجد في المريض بعد مضي عشر سنوات على العدوى تفترق بعدة آلاف من الأجيال عن الڤيروس الأصلي. وهكذا فإن الڤيروس يمكنه خلال عشر سنوات أن يغير صورته الجينية على نحوِ ما قد يحدث في الإنسان عبر ملايين السنين.

يستغرق مسار العدوى (الخمج) بالڤيروس HIV عادة سنوات عديدة، لا يشعر المريض خلال معظمها بأي أعراض. ومما يثير الدهشة أن دفاعات الجسم ـ كما تُبينها مستويات الأضداد والتائيات القاتلة والتائيات المساعدة في الدم ـ تظل قوية خلال معظم هذه الفترة اللاأعراضية asyptomatic period، حيث تدمر كل الكمية المنتَجة من الڤيروسات تقريبا. بيد أنه عند نقطة معينة، تفقد الدفاعات المناعية سيطرتها على الڤيروس، فيتنسّخ بجنون ويؤدي إلى انهيار الجهاز المناعي.

سيناريو لتطور المرض
أخْذًا بعين الاعتبار القدرة الهائلة للڤيروس HIV على التطور، تصوَّر نوڤاك وزملاؤه سيناريو يفسر كيف يتجنب الڤيروس التدمير الشامل وبالتالي كيف يحدث الإيدز بعد مضي مدة طويلة في العادة. يفترض هذا السيناريو أن الطفرات المتواصلة في جينات الڤيروس تؤدي باستمرار إلى ظهور أشكال ڤيروسية جديدة تستطيع، إلى حد ما، تجنب الدفاعات المناعية في أي وقت معين. وتَظهر هذه الأشكال عندما تؤدي الطفرات الجينية إلى تغيرات في بنية الپپتيدات الڤيروسية ـ أي المعيِّنات المستضدية (الحواتم) epitopes ـ التي يتعرّفها الجهاز المناعي. ولا تؤثر هذه التغيرات ـ في كثير من الحالات ـ في الفعاليات المناعية، ولكن قد تؤدي أحيانا إلى إخفاء الپپتيد عن متناول دفاعات الجسم. فالجسيمات الڤيروسية المتأثرة تحمل عددا أقل من المعيِّنات المستضدية الظاهرة، وهكذا يتعذر على الجهاز المناعي أن يتبيّنها.

تقترح هذه النظرية أن الطفرة المؤدية إلى انخفاض درجةِ تعرفِ معيِّنٍ مستضدي ما، ستتيح للڤيروس الجديد فرصة أكبر للبقاء، على الأقل لحين اكتشاف الجهاز المناعي للپپتيد المتغير والتعامل معه. وتحد هذه الاستجابة المناعية من الحمل الڤيروسي viral load بعض الوقت؛ إذ سرعان ما تظهر «طافرات هاربة» escape mutantsأخرى تواصل مسيرة الدورة وتحول دون القضاء التام على العدوى (الخَمَج).

إن إثبات صحة هذا المخطط بالفحوص السريرية (الإكلينيكية) وحدها أمر جد عسير، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى صعوبة رصد التآثرات اللاخطية nonlinear interactions بين الڤيروس والجهاز المناعي بشكل مفصل. لذلك استعان نوڤاك بنموذج يحاكي بالحاسوب ما يطرأ من تطورات في جمهرة ڤيروسية متجانسة عندما تقع تحت ضغوط مناعية. وتصوّر أن هذا النموذج الرياضياتي لو أدى إلى الأنماط المعروفة لتطور الڤيروس HIV، فإن ذلك سيعني أن السيناريو التطوري المقترح صحيح إلى حد ما.

يتحاشى الڤيروس HIV سيطرة الجهاز المناعي عن طريق التطور. وعلى وجه الخصوص فإنه يولّد «طافرات هاربة» escape mutants ـ أي أشكالا ڤيروسية قادرة على تجنب الاستعراف المناعي immune recognition إلى حد ما. وكمثال مبسط، فإن جمهرة (جماعة) ڤيروسية حاملة لمعيّن مستضدي واحد يمكن استعرافه (الأخضر في 1 و 2) تحدث بها طفرات متتالية في هذا المعيِّن المستضدي (3-5). ويستطيع الجهاز المناعي ـ الممثل هنا باللمفاويات البائية المنتجة للأضداد ـ مسايرة هذه التطورات مدة من الزمن، إلا أن ظهور العديد من الأشكال الڤيروسية الجديدة يقوّض، على ما يبدو، قدرة الجسم على مغالبة الڤيروس.

لقد عكست المعادلات الأساسية في هذا النموذج الملامح التي رأى نوڤاك وزملاؤه أنها مهمة في مسار العدوى بالڤيروس: فالڤيروس يثبط النشاط المناعي أساسا بتسببه في موت الخلايا التائية المساعدة، وكلما ارتفعت مستويات الڤيروس مات عدد أكبر من هذه الخلايا. كما أن الڤيروس يُنتِج باستمرار «طافرات هاربة» تستطيع تجنب رد الفعل المناعي المضاد إلى حد ما، ومن ثم تنتشر هذه الطافرات في الجمهرة الڤيروسية. وبعد فترة، ينجح الجهاز المناعي في تعرف هذه الطافرات مما يؤدي إلى تقلص عددها. إضافة إلى ذلك فرّق هذا النموذج بين نوعين من الاستجابات المناعية: استجابات تتعرف المعينات المستضدية السهلة التطفر، وأخرى تتعرف المعيِّنات المستضدية المحفوظة (التي تظهر دائما بشكل متماثل على جميع الجسيمات الڤيروسية في الجسم، لأن الڤيروس لا يتحمل فقدانها أو تغيرها).

لقد أمكن بالمحاكاة إنتاج فترة الكُمون الطويلة نفسها التي تفصل بين وقوع العدوى بالڤيروس HIV وبين الارتفاع النهائي الحاد في مستويات الڤيروس في الجسم. كما أمكن تفسير أسباب عدم استمرارية إنتاج الطافرات الهاربة وكبتها، بل وأسباب انتهائها بتنسخٍ (تكاثر) ڤيروسي خارج السيطرة وفقدانٍ كامل تقريبا للخلايا التائية المساعدة وتطور المرض إلى حالة الإيدز.

لقد بيّن هذا النموذج بصفة خاصة، أن الجهاز المناعي كثيرا ما يستطيع الدفاع بفاعلية ضد أشكال ڤيروسية متعددة في الوقت نفسه. غير أنه في مرحلة معينة، عادة بعد سنوات عديدة، يتواجد عدد كبير جدا من الأشكال المختلفة للڤيروس HIV، وعندها يعجز الجهاز المناعي عن السيطرة على الڤيروس. ونحن نسمي هذه النقطة الفاصلة «عتبة التغاير» diversity threshold، ويمكن أن تختلف من شخص إلى آخر. فمثلا، إذا كان الجهاز المناعي ضعيفا نسبيا من البداية، فقد يكفي عدد قليل من الأشكال الڤيروسية للتغلب على دفاعات الجسم.

وثمة تفسير بدهي لقصور فعالية الجهاز المناعي الناجم عن وجود أشكال متعددة للڤيروس HIV. يتصور هذا التفسير أن المعركة بين الڤيروس وبين دفاعات الجسم أشبه ما تكون بالتصادم بين جيشين. وكل فرد من جيش الڤيروس HIV هو مقاتل عمومي التوجه، أي يستطيع مهاجمة أي خلية معادية يواجهها؛ في حين أن لأفراد الجيش المناعي توجها متخصصا، حيث يستطيع كل منهم تعرف أحد جنود جيش الڤيروس HIV فقط إذا كان هذا الجندي يلوّح براية من لون معيّن.

ولو افترضنا أن كل فرد من أفراد جيش المناعة المتخصصين يتعرف العَلَم نفسه وكان كل جنود جيش الڤيروسHIV يحملون هذا العلم، لكانت حينئذ قوى الجيشين متعادلة. والآن لنفترض أن جيش الڤيروس HIV يتكون من ثلاث فرق كل منها يحمل علَما مختلفا، وبالتالي ينقسم جنود المناعة المتخصصون إلى ثلاث مجموعات كل منها قادر على تعرف علم معين. في ظروف كهذه، لا شك أن جيش الجهاز المناعي سيكون في موقف حرج. فكل متخصص في الجهاز المناعي سيكون قادرا على استعراف ومهاجمة واحد فقط من كل ثلاثةٍ من أفراد العدو الذين يواجههم ـ وهو الذي يحمل العلَم الموافق؛ في حين سيتابع جنود جيش الڤيروس HIV في الوقت نفسه اقتناص كل جندي مناعي متخصص يصادفونه، وهكذا يكسبون المعركة حتما في النهاية.

التنبؤ بسير المرض
إضافة إلى إعطائنا مفهوم «عتبة التغاير»، قدّم هذا النموذج تفسيرا محتملا لأسباب تطور الحالة نحو مرحلة الإيدز عند بعض المرضى بشكل أسرع مما عند بعضهم الآخر. فإذا كانت الاستجابة المناعية الأولية قوية ضد المعيِّنات المستضدية المحفوظة conserved، فإن فعالية الاستجابة المضادة للڤيروس HIV لن تتأثر كثيرا بالطفرات التي تَحْدُث في المعينات المستضدية الأخرى. (حيث سيُواصل كثير من العناصر الفاعلة في الجهاز المناعي تعرف كل خلية مصابة أو جسم ڤيروسي تصادفه.) وهكذا يستطيع الجسم السيطرة على الڤيروس باستمرار، على الرغم من المستوى العالي للتغاير الڤيروسي viral diversity. وفي مثل هؤلاء الأفراد يكون التطور نحو الإيدز بطيئا (أو قد لا يحدث أبدا).

أما إذا كانت الاستجابة المناعية للمعيِّنات المستضدية المحفوظة غير قوية بدرجة تضمن السيطرة على الجمهرة الڤيروسية، إنما يستطيع تعاضد الاستجابات المناعية ضد المعينات المستضدية المحفوظة والمتغيرة السيطرة على الڤيروس مبدئيا، عندها تستطيع القوى الدفاعية مواجهة الموقف مدة طويلة. لكن في النهاية ستنهار الاستجابات الدفاعية ضد المعينات المستضدية المتغيرة بسبب ظهور الطافرات الهاربة وزيادة التغاير الڤيروسي. وفي هذه الحالة سترتفع مستويات الڤيروس تدريجيا في حين تتناقص فعالية الاستجابة للمعينات المستضدية المتغيرة. وهذا هو النمط الذي يبدو أنه يحدث عند غالبية المرضى.

وإذا ما كانت الاستجابات المناعية المتعاضدة ضد المعيِّنات المستضدية المحفوظة والمتغيرة أضعف من أن تسيطر على تنسّخ الڤيروس HIV منذ البداية، فحينئذ سيكون التطور نحو الإيدز سريعا. وفي هذه الحالة ستتكاثر الڤيروسات الأصلية من دون مقاومة تُذْكر. وهكذا لن يخضع الڤيروس لضغط مناعي مؤثر يدفعه لإنتاج طافرات قادرة على تجنب الاستكشاف (الاستعراف) المناعي immune reconnaissance. وتتقدم (تتطور) إصابة هؤلاء المرضى نحو الإيدز سريعا حتى في غياب تنوع ڤيروسي ملموس.

لقد وفر نموذج المحاكاة أيضا معلومات متعمقة حول خصائص الجمهرة الڤيروسية خلال مختلف مراحل الإصابة بالڤيروس HIV. ففي الأيام الأولى قبل أن ينشط الجهاز المناعي بدرجة كبيرة، تسود الأشكال الڤيروسية القادرة على التنسّخ بشكل أسرع من غيرها. وبالتالي، فحتى لو أصيب المريض بعدوى عدة أشكال ڤيروسية معا، فإنه بعد مدة قصيرة ستكون معظم الڤيروسات في الجسم نابعة من الشكل الأسرع في التكاثر. لذلك لا نتوقع إلا القليل من التغاير الجيني (الوراثي) في المرحلة الحادة من المرض.

إن السرعة التي ترتفع بها مستويات الڤيروس HIV (المنحنيات الخطية) عبر السنين، قد تعتمد إلى حد كبير على نوعية الاستجابة المناعية الأولية initial immune response (الأشكال الداخلية). وتقترح النماذج الحاسوبية أن الاستجابة المناعية التي تستهدف أحد المعيِّنات المستضدية المحفوظة conserved epitopes (التي توجد على سطح كل جُسَيْم ڤيروسي) تستطيع وحدها الحد من تكاثر الڤيروسات (في اليسار)، وقد يستطيع الجسم إبقاء مستويات الڤيروس منخفضة مدة غير محددة ـ حتى بعد الزوال المحتوم للاستجابة تجاه المعيّنات المستضدية السهلة التغير، وهذا النمط ليس شائعا. أما إذا كانت الاستجابات المشتركة ضعيفة (في الوسط)، فسترتفع مستويات الڤيروس بسرعة. وإذا كانت الاستجابات المشتركة قوية ولكن تعجز الاستجابة الموجهة ضد المعيّنات المستضدية المحفوظة عن السيطرة على الڤيروس (في اليمين)، عندها نشاهد الشكل النمطي البطيء الشائع من تنسخ الڤيروس. وفي هذه الحالة تبدأ مستويات الڤيروس بالارتفاع الحاد عندما تُفقَد القدرة على الاستجابة للمعينات المستضدية المتغيرة.

وعندما يصبح الجهاز المناعي أكثر نشاطا، تتزايد تعقيدات البقاء أمام الڤيروس HIV؛ إذ لا يعود كافيا أن يتنسخ الڤيروس بحرّية، وإنما عليه أيضا أن يصدّ الهجمات المناعية. وهذه هي المرحلة التي نتوقع فيها أن يؤدي هذا الضغط الانتقائي (الاصطفائي) selection pressure إلى تزايد التغاير في المعينات المستضدية التي يمكن أن يتعرفها الجهاز المناعي. وحالما ينهار الجهاز المناعي ولا يعود يشكل عقبة أمام بقاء الڤيروس، عندها سيزول الضغط المؤدي إلى حدوث التغاير. لذا من المتوقع أن نشهد لدى مرضى الإيدز سيادة الأنماط السريعة التزايد مرة أخرى وتناقص التغاير الڤيروسي.

لقد أكدت الدراسات المديدة على مجموعات صغيرة من المرضى بعض تنبؤات النموذج التجريبي. وأجرى هذه الدراسات كل من <J.A.براون> (من جامعة إدنبره) و <J.غاودسميت> ( من جامعة أمستردام) و <I.J. مولينز> (من جامعة واشنطن) و<M.S.وولينسكي> (من كلية الطب بجامعة نورث-ويستيرن). فخلال عدة سنوات، تعقّب هؤلاء تطور قطعة تنتمي لبروتين في الغلاف الخارجي للڤيروس تدعى القطعة V3. وتعتبر هذه القطعة من الأهداف الرئيسية لهجوم الأضداد antibodies، كما تتميز بالكثير من التنوع. وكما تنبأ نموذج المحاكاة بالحاسوب، فقد أظهرت هذه القطعة تماثلا في العينات الڤيروسية المأخوذة من المرضى خلال بضعة أسابيع من بداية العدوى (الخمج). وخلال السنوات اللاحقة أظهرت القطعة نفسها تنوعا ملحوظا.

محاكاة بالحاسوب computer simulation لتقصي مستويات التائيات القاتلة في مريض افتراضي hypothetical patient. في البداية (الشكل الأعلى) استجابت الخلايا التائية لجمهرة population ڤيروسية متجانسة، يحمل كل ڤيروس منها سبعة معيِّنات مستضدية قابلة للاستعراف. ومن بين هذه المعيّنات حرّض المعيّن الخامس الاستجابة الأقوى (الأصفر). وعندما ظهرت طافرة ڤيروسية تحمل نسخة معدلة غير ملحوظة من هذا المعين المستضدي (الشكل الأوسط)، تركزت الاستجابة الغالبة على معيّن مستضدي أقل تحفيزا ـ المعيّن المستضدي الثاني (الأحمر). وبعد تطفر المعيّن المستضدي الثاني (الشكل الأسفل) انحرفت الاستجابة السائدة مرة أخرى إلى المعيّن المستضدي الرابع (الأخضر)، الأقل تحفيزا من سابقيه. ويمكن أن يؤدي هذا الانحراف المتتالي إلى تدني السيطرة المناعية لدى المصابين بالعدوى.

نظرة على الخلايا القاتلة
عاملت النماذج الرياضياتية الأصلية جهاز المناعة على أنه وحدة واحدة من دون تمييز بين أنشطة الأنواع المختلفة من الخلايا. ولما كان من الواضح أن اللمفاويات التائية القاتلة تمارس ضغطا مناعيا هائلا ضد الڤيروسHIV، فقد صمّمنا مع زملائنا نماذج لتفحّص سلوك هذه الخلايا على وجه الخصوص. وأعطتنا هذه النماذج الجديدة مزيدا من المعلومات حول كيفية قضاء الڤيروس على القدرة الدفاعية للجهاز المناعي مستعملا قدرته على التغير.

ابتدأنا العمل في هذه المحاكاة مع بداية العام 1994، بعد أن تحيّر أحدنا (مك مايكل) في نتائج الأبحاث التي قام بها مع آخرين لتقصي استجابة التائيات القاتلة تجاه الڤيروس HIV عند المرضى الذين لا يُظهرون أعراضا في البدء. وتوبع المرضى في هذه الدراسات مدة خمس سنوات، وكان من بين أهداف البحث تقييم تأثير مختلف المستضدات HLA في قدرة المريض على مقاومة الڤيروس.

تلعب جزيئات المستضدات HLA دورا حيويا في عملية الاستجابة الدفاعية، لأنها هي التي تحدد أيَّ الپپتيدات الڤيروسية ستبرز على سطح الخلية ومدى وضوح موقعها على السطح. ومن المتوقع أن يختلف أي اثنين من المرضى في نوعية خلائط جزيئات المستضدات HLA التي يحملونها. وبالتالي سيختلفان في المعيِّنات المستضدية الپپتيدية البارزة على سطح الخلايا وفي قدرة الوحدات المكونة من اتحاد المستضدات HLA مع الپپتيد الڤيروسي، على جذب انتباه الجهاز المناعي. وعلى ما يبدو فإن معظم المصابين بعدوى الڤيروس يتعرفون بضعةً فقط من المعينات المستضدية المحتمل إنتاجها من بروتينات الڤيروس، وهي عادة من واحد إلى عشرة.

وتقصت هذه التجارب السريرية استجابة التائيات السامة للخلايا لأنواع عديدة من المعيّنات المستضديةepitopes تنتمي لبروتين ڤيروسي داخلي يدعى gag. واستخدم ثلاثة من المرضى النوع B27 من المستضداتHLA لعرض هذا البروتين، في حين استخدم مريضان النوع HLA-B8 لهذا الغرض. وكانت استجابة التائيات القاتلة للخلايا عند مرضى النمط B27 موجهة نحو قطعة واحدة من البروتين gag تميزت بالثبات خلال فترة الدراسة. أما عند مرضى النمط B8 فقد كانت فعالية التائيات القاتلة موجهة ضد ثلاثة أجزاء أخرى من البروتينgag. وتميزت هذه المعيِّنات المستضدية الثلاثة بالقدرة على توليد طافرات خلال فترة الدراسة، واستطاع العديد من الپپتيدات الطافرة أن ينجو من تعرّفه بوساطة التائيات القاتلة لدى العائل (الثوي). كما لوحظ وجود تفاوت كبير في القوة النسبية للاستجابات الدفاعية ضد هذه المعينات المستضدية الثلاثة أيضا.

لقد استطاعت هذه الدراسات لأول مرة تسجيل وجود ڤيروسات طافرة قادرة على تفادي التائيات القاتلة في جسم الإنسان. ومع ذلك فقد أثارت هذه الدراسات أسئلة محيّرة أيضا، وبخاصة: ما سبب تباين شدة الاستجابات المناعية ضد المعيِّنات المستضدية المتعددة؟ في معظم حالات العدوى الڤيروسية الأخرى تكون الاستجابات موجهة عادة ضد واحد أو أكثر من المعينات المستضدية وتتسم بمزيد من الثبات (الاستقرار).

لماذا تضِلُّ الخلايا القاتلة
كان الجواب عن هذا السؤال من بين دوافع فريقيْنا إلى تطوير نماذج حاسوبية لدراسة استجابات التائيات السامة للخلايا تجاه الڤيروس HIV. وافترضت هذه البرامج أن تَحطُّم الجسيمات الڤيروسية داخل الخلايا المصابة سيؤدي إلى بروز الكثير من المعيِّنات المستضدية التي تستطيع التائيات السامة للخلايا تعرّفها. كما افترضت هذه النماذج أن معظم المعينات المستضدية ستكون قادرة على الطفرة، وبالتالي إعطاء أشكال ڤيروسية جديدة تختلف في بعض معيناتها المستضدية.

أدخلت النماذج الحاسوبية طفرات عشوائية في المعينات المستضدية، ثم تتبعت نمو الأشكال الڤيروسية الجديدة، كما تتبعت جمهرة التائيات السامة للخلايا الموجهة ضد كل معيّن مستضدي. وتبين أن جمهرة الخلايا التائية التي تتعرف معينا مستضديا ما وبالتالي قدرة القتل لدى هذه الخلايا، كانت تعتمد على عدد الجسيمات الڤيروسية الحاملة لهذا المعيّن المستضدي، وأيضا على القدرة التحريضية للپپتيد. (تحضّ بعض المعيِّنات المستضدية أكثر من غيرها على تنسّخ الخلايا التائية).

التحرك للقتل: تهاجم اللمفاويات التائية القاتلة خلية سرطانية بالطريقة نفسها التي تباغت بها الخلايا المصابة بالڤيروس، فيلتصق العديد من اللمفاويات بالخلية المستهدفة، وتفرز بعضَ المواد القادرةَ على حفر ثقوب في الغشاء الخلوي.

وكانت نتائج العمل على هذه النماذج الحاسوبية ذات المعيِّنات المستضدية المتعددة mutliple معقدة جدا. وفي المحصلة تناقصت الفعالية الكلية للجهاز المناعي بشكل تدريجي مع مرور الوقت. ونجم هذا التناقص عن التأرجح نفسه في الفعالية المناعية الذي لوحظ عند المريضين اللذين أنتجا المستضدات HLA من النمط B8. وعلى ما يبدو فإن هذا التأرجح كان سببه التنافس بين جمهرات الخلايا التائية القاتلة.

ووفقا لحساباتنا، تتنافس نَسيلة clone واحدة من التائيات القاتلة في جسم المريض (جمهرة قادرة على تعرف معيّن مستضدي واحد) مع التائيات الأخرى سعيا إلى السيطرة. ولدى حدوث الاستجابة الأولية للخلايا القاتلة التي تشمل نَسائل متعددة، تتناقص الجمهرة الڤيروسية، وبالتالي تتناقص إشارات التحريض التي تتلقاها الخلايا التائية. وفي النهاية لا تُواصل النشاطَ إلا نسائلُ الخلايا التائية التي يمكنها أن تتعرف أكثر المعينات المستضدية قدرة على التحريض، وهكذا قد تسود استجاباتِ الخلايا التائية نَسيلَةٌ واحدة فقط.

ويمكن أن تكون هذه العملية مُفيدة وقد تؤدي إلى القضاء على الڤيروس لو أنه لم يتغير. ومن جهة أخرى إذا تطفر المعيِّن المستضدي المحرض للاستجابة المناعية الغالبة، فقد لا تتمكن نَسيلة الخلايا التائية المقابلة له من تعرّفه. وعندئذ ستتكاثر الجسيمات الڤيروسية الحاملة لهذا الپپتيد الجديد في خفاء يكاد يكون تاما. وأحيانا يتمكن الجهاز المناعي من تلافي ذلك وتوجيه استجابة مناعية ضد الشكل الجديد من المعينات المستضدية. وفي أحيان أخرى يُحوِّل الجهاز المناعي انتباهه نحو مُعيِّن مستضدي آخر لا يمتلك أصلا القدرة نفسها على التحريض المناعي. وقد يتكرر هذا التحول في التوجهات مرات عديدة مؤديا لظهور صورة معقدة جدا، تتموج فيها الغلبة النسبية لنسائل الخلايا التائية باستمرار. وهكذا فإن ظهور شكل جديد غير ملحوظ من معين مستضدي، سيثير المشكلات بطريقتين على الأقل. فإضافة إلى إنقاص فعالية الهجوم على الشكل الڤيروسي الجديد، فإنه قد يُحرِّض الجهاز المناعي على تحويل جهوده نحو أنواع أخرى من المعينات المستضدية التي لا تمتلك القدرة نفسها على التحريض.

إن الصورة العامة التي أعطتها نماذج المحاكاة الجديدة تتلخص في أن التنوّع في المعيِّنات المستضدية سيؤدي إلى تأرجح الاستجابات المناعية مع استهداف المعينات الأضعف فالأضعف. ويؤدي هذا التحول إلى ارتفاع في مستويات الڤيروس HIV وبالتالي إلى الإسراع بقتل الخلايا المساعدة والبلاعم وتناقص السيطرة على كامل الجمهرة الڤيروسية. وبتعبير آخر يؤدي التغاير الڤيروسي إلى دفع مسيرة المرض. ويمكن أيضا تطبيق نماذج المحاكاة متعددة المعينات المستضدية على الاستجابات الضدية antibody responses.

أفكار حول العلاج
إن من لا يعرفون النتائج التي توصلنا إليها قد يظنون أن المرضى الذين يستجيبون لعديد من المعيِّنات المستضدية المختلفة سيكونون أكثر قدرة على السيطرة على جمهرة الڤيروسات. فالڤيروس الذي ينجو من إحدى نسائل الخلايا المناعية يُحتمل أن لا يُفلت من ملاحظة نَسيلة أخرى. إلا أن نماذجنا الحاسوبية تتنبأ بأنه في حالة العدوى بالڤيروس HIV، فإن الاستجابة المناعية للمعينات المستضدية المتعددة يمكن أن تكون علامة سيئة ـ حيث تكون مؤشرا على أن أنواعا مهمة من المعينات المستضدية ربما تكون قد تطفَّرت بشكل غير ملحوظ. وتوضّح نماذج المحاكاة أن المرضى الذين يتعرف جهازُهم المناعي واحدًا أو أكثر من المعينات المستضدية بشكل ثابت سيتمكنون من السيطرة على الڤيروس على نحو أفضل من أقرانهم الذين يستجيب جهازهم المناعي إلى عدد كبير من هذه المعينات. وتؤيد هذا الرأي إحدى النتائج التي توصلت إليها دراسة المستضدات HLA التي سبق عرضها. فقد لوحظ أن المريضيْن اللذين أظهرا تماوجا (تقلبًا) في الاستجابة المناعية، وصلا إلى مرحلة الإيدز بشكل أسرع من أولئك الذين أظهروا استجابة ثابتة لمعيّن مستضدي واحد. لكن الدراسة المذكورة شملت عددا قليلا من المرضى لا يكفي للتوصل إلى استنتاجات موثوقة.

وإذا كانت هذه النماذج تصوّر مسار العدوى بالڤيروس HIV بدقة، فسوف تكون لنتائجها مضامين في مجال تطوير اللقاحات (للوقاية أو العلاج) وأيضا لتطوير أدوية كيماوية ضد المرض. ففي مجال اللقاحات قد يؤدي تحفيز الاستجابة المناعية لعدة أشكال من المعينات المستضدية إلى نتيجة عكسية. وعلى كل حال فإن مثل هذا التحفيز يُحتمل أن يؤدي إلى نشوء تنافس غير مرغوب فيما بين القوى المناعية. وقد يكون من الأفضل تحفيز الاستجابة الموجهة نحو معين مستضدي محفوظ واحد، حتى ولو لم يكن من اليسير استعرافه. ومن شأن هذه الاستجابة أن تؤدي بشكل مثاليّ إلى سيطرة مستمرة على الڤيروس. ولكن الصعوبة بطبيعة الحال تكمن في إمكان تعرف المعينات المستضدية المحفوظة ومعرفة الطريقة المثلى لتوليدها.

وهناك دلالة أخرى تسترعي الانتباه، وهي أن الڤيروس يتنسّخ بسرعة وباستمرار خلال جميع مراحل العدوى. وقد دفعت هذه الملاحظة كثيرًا من الأطباء إلى استنتاج أن الكيماويات التي تؤدي إلى إيقاف تنسّخ الڤيروس ستعطي أفضل النتائج عند استعمالها باكرا ما أمكن، أي قبل أن يتمكن الڤيروس من التكاثر بدرجة مفرطة. وقد يكون العلاج بتوليفة من الأدوية أكثر فاعلية من استعمال دواء واحد، لأنه حتى لو أنتج الڤيروس جمهرة طافرة لا تتأثر بأحد الأدوية، فإن الأدوية الأخرى يمكن أن تظل فعالة. وعن طريق تثبيط معدل تنسّخ الڤيروس، ستمكّن هذه الاستراتيجيات من إبطاء سرعة إنتاج الطافرات وبالتالي ستحد من التنوع الڤيروسي. وتقترح نماذجنا الحاسوبية أيضا أن إنقاص مستويات الڤيروس والحد من تغايره سيساعدان مناعة الجسم الطبيعية على احتواء الڤيروس.

نظرة شاملة لديْنَمِيّات الڤيروس HIV
تُظهر النتائج السريرية والرياضياتية التي تم جمعها، أنه إضافة إلى تنسّخ الڤيروس HIV بوفرة في جسم المُعدى (المخموج)، فإنه يتطفر بصورة متكررة مؤديا إلى إحداث تغاير كبير في الجمهرة الڤيروسية. وتيسر هذه الخصائص تطورَ الڤيروس استجابةً للتهديدات التي يواجهها خلال مسار العدوى. وتظهر تبعا لذلك طافرات ڤيروسية تستطيع إلى حد ما تجنب الهجوم المناعي عليها إلى أن يستجمع الجهاز المناعي قواه ليواجه هذه الأشكال الجديدة ـ وفي هذه الأثناء تبدأ طافرات هاربة جديدة في الظهور والتكاثر. وهكذا يتكرر تبادل ميزان القوى بين الجهاز المناعي والڤيروس ذهابا وإيابا مدة من الزمن.

لكن هذه العملية لا تستمر إلى ما لانهاية، لأن ظهور التغاير الڤيروسي ـ فيما يبدو ـ يقلب الميزان لصالح الڤيروس في النهاية. ويعمل التغاير في صالح الڤيروس لأن ظهور أشكال ڤيروسية مختلفة سيتسبب في إرباك الجهاز المناعي للمريض، فيصبح أقل كفاءة وبالتالي يسمح لجمهرة الڤيروسات بالنمو وقتل المزيد من الخلايا المساعدة.

وبطبيعة الحال يؤدي تناقص الخلايا المساعدة إلى تناقص فعالية التائيات القاتلة والبائيات B cells، التي لا تعمل بكفاءة إلا إذا حفزتها البروتينات التي تُنتجها الخلايا المساعدة. وحالما يصبح هذان النوعان من الخلايا أقل فعالية، تبدأ دوامة قاتلة من الأحداث، حيث تستمر معدلات الڤيروس في الارتفاع ويتزايد هلاك الخلايا المساعدة وتنخفض الفعالية الكلية للجهاز المناعي.

وهكذا يقود توليد الطافرات الڤيروسية إلى تناقص مستمر في فعالية الجهاز المناعي. وعند مرحلة معينة يبلغ التغاير الڤيروسي حدًّا يتعذر معه على الجهاز المناعي أن يتعامل معه، وبالتالي يُفلت الڤيروس HIV تماما من السيطرة. وفي حين أن كميات الڤيروس تستمر بالتزايد، يتسارع هلاك الخلايا المساعدة ويجتاز المريض العتبة المؤدية إلى حالة الإيدز، وفي النهاية ينهار الجهاز المناعي. باختصار، يبدو أن السيناريو التطوري يستطيع أن يفسر إلى حد بعيد لماذا تتقدم الإصابة بعدوى الڤيروس HIV ببطء، وإن كانت في جميع الحالات ـ أو على الأقل في معظمها ـ تُفضي إلى تدمير الجهاز المناعي في النهاية.



 المؤلفان
Martin A. Nowak - Andrew J. McMichael
يعملان معا في جامعة أكسفورد؛ حيث نوڤاك زميل باحث رئيسي لدى Wellcome Trust . وقد حصل على الدكتوراه من جامعة ڤيينا، حيث درس الكيمياء الحيوية والرياضيات. وعلى الرغم من تركيزه على التآثرات المتبادلة بين الڤيروس HIV والجهاز المناعي، فقد استطاع تطوير الكثير من النماذج الرياضياتية المتعلقة ببيولوجيا التطور. أما مك مايكل الذي انشدّ إلى العلوم بعد قراءته في الستينيات لعدد من مقالات مجلة «ساينتفيك أمريكان» حول الدنا DNA، فهو أستاذ وباحث سريري في علم المناعة في مجلس البحوث الطبية بجامعة أكسفورد، كما يرأس فريق علم المناعة الجزيئي في معهد أكسفورد للطب الجزيئي. وهو كذلك مستشار في شركة سيلتيك وزميل في الجمعية الملكية. ومما يذكر أن مك مايكل تسلق أعلى جبل في النمسا، كما تسلق نوڤاك أعلى جبل في إنگلترا.


مراجع للاستزادة 
ANTIGENIC DIVERSITY THRESHOLDS AND THE DEVELOPMENT OF AIDS. M. A. Nowak, R. M. Anderson, A. R. McLean, T. F. W. Wolfs, J. Goudsmit and R. M. May in .Science, Vol. 254, pages 963-969; November 15, 1991.
HUMAN IMMUNOllEF1C1ENCY VIRUS: GENETIC VARIATION THAT CAN ESCAPE CYTOTOXIC T CELL RECOGNITION. R. E. Phillips et al. in Nature, Vol. 354, No. 6353, pages 453-459; December 12, 1991.
How DOES HIV CAUSE AIDS? Robin A. Weiss in Science, Vol. 260, pages 1273-1279; May 28, 1993.
VIRAL QUASISPECIES. Manfred Eigen in Scientific American, Vol. 269, No. 1, pages 42-49;July 1993.
MULTIFACTORIAI. NATURE OF HUMAN IMMUNODEFICIENCY VIRUS DISEASE: IMPLICATIONS FOR THERAPY. Anthony S. Fauci in Science, Vol. 262, pages 1011-1018; November 12, 1993.
ANTIGENIC OSCILLATIONS AND SHIFTING IMMUNODOMINANCE IN HIV-1 INFECTIONS. M. A. Nowak, R. M. May, R. E. Phillips, S. Rowland-Jones, D. Lalloo, S. McAdam, P. Klenerman, B. Koppe, K. Sigmund, C. R. M. Bangham and A. J. McMichael in Nature, Vol. 375, pages 606-611; June 15, 1995.
Scientific American, August 1995

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More